بقلم: محمد أبو العيون الباحث الاسلامي
العاشر من المحرم ليس يومًا للفرح، كما أنه أيضًا ليس يومًا للطم الخدود وشق الجيوب وإقامة الحسينيات؛ هو يومٌ يُحيي في النفوس معاني التضحية من أجل نصرة الحق، ورفض الاستبداد السياسي، والدفاع حتى الموت عن حق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار من يحكمها.
اختيارًا ديمقراطيًا بعيدًا عن "الهرقلية" التي ابتدعها معاوية بن أبي سفيان، وتوارثها من بعده بنو أمية، والعباسيون، والفاطميون، والأيوبيون، والأتراك المماليك (البحرية، والشراكسة)، والعثمانيون الغزاة، وغيرهم ممن اعتبروا الحكم حقٌ إلهي اختصوا به وحدهم دون بقية الأمة.
عاشوراء، يومٌ صعدت فيه روح الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب - عليهم السلام - إلى ربه، شهيدًا ناصرًا للحق ورافضًا للاستبداد الأموي، ولذلك هذا ليس يومٌ لإظهار الفرحة وتوزيع الحلوى وغيرها من المظاهر، وكيف نفرح بيومٍ ارتكبت فيه أبشع جريمة في حق آل البيت النبوي؟
كيف يمكن الفرح بيومٍ تعدى فيه أجلاف بني أمية ومن معهم على أهل بيت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وعدم إظهارنا للفرح في هذا اليوم ليس معناه أن نفعل العكس، كما يفعل الشيعة بإقامة الحسينيات مثلا؛ فكل هذه مظاهر سياسية لا علاقة للدين بها.
ما يحدث في عاشوراء سواء إظهار الفرح من قبلِ السنة، أو إقامة الحسينيات من قبلِ الشيعة؛ هو ميراث من الصراع السياسي .
صراعٌ حاول كل فريق شرعنة موقفه باسم الدين؛ ففقهاء بني أمية دسوا على رسول الله صلى الله عليه أحاديثًا كثيرة تحث المسلمين على إظهار الفرح في هذا اليوم، في محاولة لإلهاء الناس عن تذكر الجريمة التي حدثت في هذا اليوم، وكلها أحاديث متضاربة وبها إشكاليات تجعلها مرفوضة .
كما أن كتب التاريخ، حفظت لنا أن مظاهر الاحتفال بيوم عاشوراء بدأت في عهد الحاكم الأموي: عبد الملك بن مروان، عن طريق الحجاج بن يوسف الثقفي.
أما مراجع الشيعة؛ فقد وضعوا عشرات الأحاديث التي تجعل من يوم عاشوراء يومًا لإحياء "المظلومية"، والمطالبة بحقهم في الحكم (حقهم لا حق الشعب)، واتخذوا من واقعة استشهاد الإمام الحسين - عليه السلام - طريقًا لتحقيق مطامعهم الشخصية المتمثلة في الوصول إلى الحكم والاستبداد به، وتاريخ الدولتين العباسية والفاطمية خيرُ شاهد على هذا.
الخلاصة أن الفريقين اتخذوا الدين طريقًا يعبرون عليه للوصول إلى الحكم، وتحقيق مقولة عبد الرحمن بن أبي بكر، التي انتقد بها بنو أمية: "أردتموها هرقلية، كلما هلك هرقل قام هرقل"؛ فصارت الدولة الأموية هرقلية.. والعباسية هرقلية.. والفاطمية هرقلية،
وكل الدول التي أطلقوا عليها زورًا وبهتانًا دولة الخلافة كلها صارت هرقلية، والفقهاء الذين يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم متواجدين وبكثرة، وبمرور السنوات صارت هذه الروايات المكذوبة دينًا يُتهم من ينقدها بمعاداة الإسلام.
وبعيدًا عن هذا الصراع؛ لنتذكر في يوم عاشوراء أن أبا الشهداء الإمام الحسين - عليه السلام - الذي كان أشبه الناس بجده رسول الله صلى الله عليه وسلم في البنية الجسدية، خرج إلى كربلاء دفاعًا عن حق هذه الأمة في تقرير مصيرها واختيار من يحكمها.
لنتذكر في يوم عاشوراء واحدًا من أروع مشاهد الفداء والتضحية، وذلك أن السيدة زينب بنت الإمام علي - عليهما السلام - حين رأت القوم تخلوا عن شقيقها طمعًا في أموال بني أمية، خافت عليه وخاطبته بعاطفة الأخت والأم قائلة:
يا أخي ويا قرة عيني؛ لنترك لهم دنياهم التي يتصارعون عليها، ونذهب إلى مكان بعيد ننعم فيه بالسلام.. يا أخي ويا قرة عيني عز النصير وانفض القوم من حولك وتملكت الدنيا قلوب من دعوك للخروج، وإني أخشى عليك الموت.
فقبل عليه السلام جبينها وترفق بها قائلًا: والله ما كنتِ في يومٍ أختًا؛ بل كنتِ أمًا لي ولشقيقي الحسن، وكنتِ من قبل أمًا لأبينا؛ فأرفقي بنفسك يا قرة العين؛ فوالله ما خرجت لأُنافسهم على الدنيا؛ إنما خرجت للإصلاح في أمة جدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم،
وما أخشى الموت، وهل من خرج لنصرة الحق يُرهبه الموت؟! يا أختاه إنما خرجت للإصلاح في أمة جدنا.. إنما خرجت لأرد كل دعي زعم أنه تملك رقاب العباد بحق ما أنزل الله به من سلطان..
إنما خرجت من أجل المستضعفين في هذه الأمة.. إنما خرجت لنصرة الحق.. يا أختاه لو لم أخرج لنصرة الحق؛ لصار أهل الحق أيتامٌ إلى يوم القيامة.
فبكت السيدةز ينب ونعت أخيها قائلة: أمضِ يا حسين؛ فاللحق خرجت، ومن أجل الحق تموت شهيدًا.
فقبل عليه السلام جبينها وترفق بها قائلًا: والله ما كنتِ في يومٍ أختًا؛ بل كنتِ أمًا لي ولشقيقي الحسن، وكنتِ من قبل أمًا لأبينا؛ فأرفقي بنفسك يا قرة العين؛ فوالله ما خرجت لأُنافسهم على الدنيا؛ إنما خرجت للإصلاح في أمة جدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم،
وما أخشى الموت، وهل من خرج لنصرة الحق يُرهبه الموت؟! يا أختاه إنما خرجت للإصلاح في أمة جدنا.. إنما خرجت لأرد كل دعي زعم أنه تملك رقاب العباد بحق ما أنزل الله به من سلطان..
إنما خرجت من أجل المستضعفين في هذه الأمة.. إنما خرجت لنصرة الحق.. يا أختاه لو لم أخرج لنصرة الحق؛ لصار أهل الحق أيتامٌ إلى يوم القيامة.
فبكت السيدةز ينب ونعت أخيها قائلة: أمضِ يا حسين؛ فاللحق خرجت، ومن أجل الحق تموت شهيدًا.